الجمعة، 18 نوفمبر 2011

"المدرسة الحلم".. مناورة أسرية يرفضها الأبناء


مع كل صباح وفي موعد المدرسة يضع طفلي أدواته في حقيبة المدرسة باهتمام ويحملها فرحا مسرورا يمشي في تيه وفخر وهو ذاهب إلى المدرسة، يعود منها ليتحدث عنها طول الوقت، يخرج الكراسة والقلم والممحاة -التي يتعمد أن يخطئ حتى يرى هذه الأداة الصغيرة السحرية تمحو ما يكتب- ليؤدي واجباته المدرسية في شغف ونشاط، يطلب مني أن أقرأ له قصة قبل النوم.. لينام سريعا.. لينهض سريعا.. ليذهب إلى المدرسة سريعا.
هكذا كان طفلي يمثل دوره بإتقان قبل التحاقه بالمدرسة، و لَكُم أن تتخيلوا كم درجة تغير بعد التحاقه بها! حينما فكرت فيما آل إليه طفلي لم أجد أن ما يحدث داخل المدارس هو السبب الوحيد لحالة عدم الاكتراث والملل وعدم الرغبة في الذهاب للمدرسة أحيانا، رغم أن مدرسته من المدارس التي لا بأس بها على الإطلاق، وبعد أن فكرت مليا وجدت أن لي يدا فيما وصل إليه، فطالما رددت على مسامعه ما سيستمتع به في المدرسة من لعب مختلفة، وأصحاب يشاركونه كل شيء، ومعلمات يهتممن به، ومكان واسع يلهو ويلعب فيه، الأمر الذي أدركته بعد أن قرأت قصة للكاتبة الألمانية "أرزولا فولفل" في إحدى مجلات الأطفال، وها أنا ذا أنقل لكم ملخص هذه القصة (وبقليل من التصرف) لنقرأها على أطفالنا الذين يلتحقون بالمدرسة لأول مرة.

مدرسة على الأرض

تقول "أرزولا" في قصتها "سوزان والمدرسة": قبل التحاق سوزان -التي يقترب عمرها من السادسة- بالمدرسة لم تعرف كيف تتخيلها، وحينما سألت والديها أجابا بأنها ممتعة ومفيدة، في حين أن شقيقها كان يذكر لها أن المدرسة مملة.
لم تكتف سوزان بسؤال أخيها ووالديها فأخذت تسأل مجموعة من الأطفال، فقال لها بعضهم إنها مزعجة، وعلى التلاميذ أن يتابعوا شرح المعلمة ويسجلوا في دفاترهم بعض الدروس، وعليهم إتمام الواجبات بالبيت، وهناك من خوّفها من العقاب، وقال لها بعض الأطفال: لا تصدقي كل ما تسمعين فبعض التلاميذ يبالغون فيما يقولون، خاصة إذا كانوا غير جادين.
لكن سوزان قررت أن تعرف بنفسها فمرت على المدرسة المجاورة لبيتها وللدكان الذي تشتري منه بعض ما يلزم البيت، وقفت أمام شباك أحد الفصول فوجدت سيدة تقف أمام مجموعة من المقاعد المتراصة بانتظام، يجلس عليها بعض الأطفال الذين لا يفعلون سوى الاستماع لهذه السيدة، وعليهم أن يسجلوا في دفاترهم ما تكتبه على اللوح الكبير الملصق بالحائط، وتساءلت "سوزان" هل هذا هو التعليم؟! وهل هذه هي الاستفادة؟! فذهبت إلى البيت مستاءة وأعلنت لأمها أنها لن تذهب لمدرسة مملة هكذا.
وفي الصباح عاود حب الاستطلاع "سوزان" فذهبت مرة أخرى لتشاهد ما يجري بالمدرسة، فوقفت تراقب المعلمة والتلاميذ لكنها في هذه المرة وجدت التلاميذ متحمسين وكذلك المعلمة وهي تلقي عليهم بعض الأحاجي (الفوازير)، وهم يقومون بالتفكير ثم الرد في حيوية ونشاط لم تعهدهما بالأمس، وكلما عرفوا الإجابة قامت المعلمة بتعزيزهم وتشجيعهم والتصفيق لهم ثم تنتقل إلى فكرة جديدة بأحجية جديدة، وكانت "سوزان" منفعلة معهم وتحاول أن تفكر في حل لكل أحجية، وعادت إلى البيت مسرورة، وفي أثناء عودتها فكرت في أنه لا يوجد مكان يحمل دائما كل المزايا، ولاشك أن المدرسة كذلك، ألا يحدث شجار وغضب وصراخ وملل في البيت... ذلك المكان الذي أحبه أكثر من أي مكان آخر!
هكذا انتهت القصة، وأجمل ما فيها أنها حملت فكرة واقعية بسيطة للأطفال عن المدرسة.
فلابد أن يعلم الطفل منذ نعومة أظفاره أن الحبور والسرور والاستمتاع الكامل في مكان ما أو مع شخص ما ليس سوى ضرب من الخيال، أو هو حلم يداعب خيالنا، ربما لنظل نبحث دائما عن الكمال ونحاول الوصول إليه ما استطعنا لذلك سبيلا، أو ربما لأنها طبيعة إنسانية وغريزة فطرية حملتها الجينات منذ كان آدم في الجنة، لكننا في النهاية لابد أن نعي أننا نحيا على الأرض ولم يحن بعد.. وقت الجنة.




بقلم عزة تهامي
المصدر: موقع إسلام أونلاين 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق