كيف نربي الأطفال على الحجاب (3)
المحارم: علاقة الطفلة بعريس الأخت او الطفل بعروس الأخ.
المحارم: علاقة الطفلة بعريس الأخت او الطفل بعروس الأخ.
لعلكم لاحظتم إخوتي الكرام، منذ الحلقة الماضية، أنني جعلت العنوان عن الأطفال عموما، ولم أقصره على البنات، ذلك أن مفاهيم الحجاب والستر يجب أن يتم غرسها في الجنسين على حد سواء؛ فالبنت لتطبقها على نفسها، والفتى ليطبق منها ما يتعلق بستر عورته، وغض بصره، والتفريق بين محارمه من الإناث عن غيرهن، مما سيضبط لاحقا سلوكه عند الاختلاط؛ ولتنمية الغيرة لديه، فيكون آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر في أسرته، لأخواته، ومن ثم زوجته وبناته، وفي محيطه الاجتماعي، بحسب قدرته ومنزلته، دون غلو ولا تفريط.
ولعلي أذكر هنا قصة عاينتها في بعض الأسر القريبة منا، وأعتقد أنها شائعة جدا:
كانت هذه الأسرة مكونة من أبوين وخمس بنات، بلغن مبلغ الفتيات، ثم رزقت الأسرة بطفل ذكر على شوق وتشوق.. كبر الفتى وبلغ العاشرة من عمره، وكان يرى أخواته متكشفات متبرجات، فكان يغضب لهذا ويحمر وجهه، ويطالبهن بالتستر، ويتشاجر معهن لذلك.. لكن الأبوين توجها في التربية لضرورة احترام الصغير للكبير، وضرورة التمتع بالحرية الشخصية وعدم التدخل في شؤون الآخرين، ولم يهتما بالنواحي التربوية المتعلقة بوجوب الستر والحجاب وطاعة الله عز وجل، فرجحا ذلك الجانب، ونهرا الصغير عن هذا التدخل في شؤون أخواته البنات اللاتي يكبرنه سنًّا، وعلماه وجوب احترام الكبير، واحترام الحريات الشخصية، فقتلا عنده الغيرة، وبلغ الشاب مبلغ الرجال، وصار لا يهتم لحجاب ولا ستر ولا دين.. !! وتحقق للوالدين الكريمين ما تمنيا!! وبعد هذا قد يُعاتب الفتى أو يلام لأنه لم يدافع عن أخته ولم يحمِها!! آلآن!!
وعودة إلى مسألة التفريق بين المحارم وغير المحارم، والتي لابد من غرسها في الأطفال منذ سني التربية الأولى، ما قبل سن التمييز، ثم يزداد التركيز عليها في سن التمييز (بين السابعة والعاشرة) ثم تكون المحاسبة عليها من الأهل بعد العاشرة وحتى البلوغ، حيث يبدأ سن التكليف والحساب الرباني.
1- لا بد أولا من أن نعلم الطفل من هم محارمه.. وهذا يكون بالتدريج، ومن خلال الحياة اليومية، ومع اتساع دائرة حياته الاجتماعية رويدا رويدا، تتسع هذه الدائرة الى أن تصل للأخوال والأعمام والخالات والعمات من الدرجة الثانية والثالثة.. وأقارب الرضاع (إن وجدوا) .. وهكذا..
لقد تفاجأت حين وجدت شاباً فارع الطول، لا يعرف ان أم زوجة أبيه ليست محرما عليه. وآخر لا يعرف أن أخت أخته من الرضاع ليست أختاً له.
2- وبعض الناس يخلط (عن غفلة أو تغافل) بين المحرمين حرمة دائمة، والمحرمين حرمة مؤقتة، فوجدت بعض النساء يتكشفن أمام ازواج أخواتهن، بحجة انه محرم حرمة مؤقتة، ووجه التحريم المؤقت لمن لا يعرف: انه لا يجوز له أن يجمع بينها وبين أختها، او بينها وبين عمتها، او بينها وبين خالتها في ذمته... الا ان هذه الحرمة المؤقتة أخطر من عدم المحرمية، لأن الرجل غير المحرم اذا احبها تزوجها، اما زوج اختها او خالتها او عمتها، فلو أحبها فلا يملك الا ان يطلق اختها لكي ينكحها.
وقد حصلت -في منطقتنا- بكل أسف لرجل كان يتولى امامة احد المساجد، ان اخت زوجته الصغيرة، تربت امام ناظريه، وكبرت، ثم كانت تستشيره في مشاكلها الخاصة والعاطفية لأنها تشعر بأنه (اخوها او ابوها أو .. او.. ) حتى هويها وعشقته!!.. فما الحل؟ اما ان يطلق اختها لكي ينكحها (ولنعم الاخوة !!) أو تبقى علاقتهما بالحرام.. فانظروا كيف أتُوا من جهة التعامي عن شرع الله، والظن أنهم فوق الشبهات والفتن، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
لقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إياكم والدخول على النساء" . فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله أفرأيت الحمو ؟ قال "الحمو الموت"
والحديث متفق عليه.
وقال الشيخ د. مصطفى البغا في شرح الحديث: "احذروا من الدخول على النساء غير المحارم، ومنع الدخول يستلزم منع الخلوة من باب أولى. فسأل الأنصاري: أخبرني عن دخول الحمو على المرأة، والمراد بالحمو: أقارب الزوج من غير المحارم، كالأخ والعم والخال وأبنائهم. فقال: الحمو الموت، أي: لقاؤه الهلاك؛ لأن دخوله أخطر من دخول الأجنبي، وأقرب إلى وقوع الجريمة، لأن الناس يتساهلون بخلطة الرجل بزوجة أخيه، والخلوة بها، فيدخل بدون نكير، فيكون الشر منه أكثر، والفتنة به أمكن."
والأمر نفسه بالنسبة لاختلاط زوج المرأة بأهل زوجته عموما، وأخواتها خصوصاً.
3- وأحب هنا أن أنبه على وجه الخصوص، على اختلاط الأخوات الصغيرات بزوج أختهن، او خطيبها، سواء كن في سن المراهقة او الطفولة، حيث يتساهل كثير من الأهل في هذا الاختلاط، على ان الفتيات مازلن طفلات، وهنا علينا ان نفرق بين الحالين:
الحال الأولى: وهي ان تكون الأخت مراهقة، اي بلغت سن البلوغ، ولكنها صغيرة (عرفا) على الزواج، فهي ذات غرائز متفتحة، وميول لا إرادية للجنس الآخر، وهي ترى أختها الأكبر في مرحلة الخطوبة او العقد، أو حتى الزواج، وترى اهتمام الرجل بها، وتلاحظ العلاقة العاطفية بينهما، وقد تصاب بالغيرة الشديدة، وتنعكس هذه الغيرة الى خصومات ونكد في البيت، لا يعرف أحد سببه، وفجوة وشقاق بين الأختين.. والصغيرة لا تبقى صغيرة إلى الابد، بل سرعان ما تكبر وتصبح عروسة، وقد يبلغ إعجابها بزوج أختها او عريسها حدا يجعلها تحاول لفت نظره، ومنافسة أختها في اجتذابه، وهي مراهقة غريرة، لا تدرك عواقب ما تفعله، وقد يحدث افتتان من العريس أو الزوج بهذه الأخت، فتكون الطامة، والفسخ أو الطلاق لا قدر الله.. وكل هذا من استهتار الأهل، وتهاونهم في الانضباط بشرع الله، بحجة أنهم فوق مستوى الفتن وفوق الشبهات.
علينا أن نتذكر أن نبي الله يوسف عليه السلام، لم يعتبر نفسه فوق الشبهات، وعندما ابتلي بفتنة النساء قال: { قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الجَاهِلِينَ }
والحالة الثانية: وهي أن تكون الاخت طفلة، وقد مررت شخصيا بهذه التجربة، حيث خطبت ابنتي الكبرى، وكانت الصغرى في الرابعة والنصف او الخامسة من عمرها. وبالطبع يتودد العريس الشاب لهذه الطفلة ويتقرب إليها بالهدايا والقبلات، إما لأنه متشوق للأطفال والذرية، او لأن الطفلة نفسها جميلة وجذابة، أو لكي يستميل عروسه واهلها ويظهر لطف طباعه، او لأنه محرج ومتوتر، فيخفف من ارتباكه في التعامل مع اسرة عروسه بتوجيه تعامله نحو الأسهل والأقرب وهو الطفلة.. إلخ..
وهنا على الاهل عموما، والأم خصوصا ان تكون شديدة الانتباه، لأن الطفلة سرعان ما تكبر، فإذا تعلقت بخطيب او عريس أو زوج اختها تعلقا شديدا، صعب عليها بعد هذا ان تفهم انه ليس من محارمها، وصار من الشاق عليها ان تتقبل ان تحتجب منه، او تتحفظ في سلوكياتها معه اذا كبرت.. وليس البلوغ عنها ببعيد كما نظن، فكثير جدا من الفتيات يبلغن في الثانية عشرة من العمر.. والبلوغ ليس صدمة عصبية تمسح ما قبلها من ذكريات!! إنه يحدث والفتاة قد تكونت طباعها ومشاعرها وذكرياتها وتصرفاتها بشكل معين، فينبغي ان يكون ما بعد البلوغ تكملة لما قبله واستمراراً له في نفس الطريق، لا ان يكون منعطفا حادا خطرا، تتغير فيه اتجاهات السلوك للنقيض، مما قد يودي بالمركب –لا قدر الله- نحو الهاوية.
4- اضافة الى نقطة مهمة يغفل عنها كثير من الاهل، وهي ان الفتاة في السن الصغيرة، خاصة سن التمييز وما بعده، شديدة الانتباه والالتقاط للعلاقات الاجتماعية وطبيعتها.. وهي تدرك تماما ان علاقة العريس بأختها ليست مثل علاقة الإخوة والمحارم، وستلتقط عبارات الغزل، ونظرات الغرام، واللمسات الخاطفة او غير الخاطفة، او غير ذلك مما يحدث بين العريسين بالضرورة، (هذا إن كان العريس على خلق ودين وملتزما ومحافظا في سلوكه، وانا هنا اتكلم عن الزيارات التي تكون بعد العقد وقبل الزفاف، واتحدث عنها بالنسبة للاطفال.. اما بالنسبة للضوابط بين العروسين فنتحدث عنها في موضوع آخر إن شاء الله)
التقاط الطفلة (او الطفل) لمثل هذه الأمور، يجعل غرائزه تتفتح قبل أوانها، وتفكيره ينشغل بمواضيع اكبر من سنه. اضافة إلى أن الطفلة قد تصبح عصبية، لأنها تغار على اختها من العريس، الذي تشعر انه يعاملها باهتمام، وطريقة خاصة ومختلفة، أو تغار على العريس من اختها، خاصة اذا كان العريس قد انساق في البداية الى الملاطفة الزائدة للطفلة ومداعبتها، (وكثيرا ما يحدث هذا فترة الخطوبة وقبل العقد..) .. وتنعكس هذه المشاعر المضطربة في نفس الطفلة -والتي تعجز عن تفسيرها- الى مشاكسات وبكاء وتوتر، وربما تطاول قد يبلغ حد الوقاحة على الأخت الكبرى، والميوعة والتجرؤ على الشاب الذي يفترض بها أن تحتجب منه بعد سنوات قليلة!!..
5- ومن المضحكات المبكيات أن الاهل احيانا يوظفون الطفل او الطفلة رقيباً على العروسين، لأنهما يخشيان ان يتجاوزا الحدود المسموح بها في فترات اللقاء.. وهذا من الناحية الشرعية لا يسلم لللأهل، لأن وجود الطفل غير البالغ لا ينفي الخلوة، فكيف اذا كانت طفلة أنثى؟ ومن الناحية التربوية هو خطأ جسيم، تعود عواقبه على نفسية الطفلة، على النحو الذي أسلفناه، وعلى علاقة الاختين، وعلى علاقة العريس بأهل زوجته ايضا، لأن هذا الحصار الخانق سيجعله يترقب الزفاف ليختطف عروسه ويبتعد بها عن هذه العائلة المزعجة والاطفال الفضوليين. كما أن هذه الذكريات ستختزن في عقل الطفل او الطفلة، فتؤثر سلباً على علاقته المستقبلية بعروسه، التي سترهقها المقارنات.
والصواب يكون في إفهام العروس الحدود الشرعية لكل مرحلة، وتنمية الرقابة الذاتية لها، وتحذيرها من الخلوة بعريسها –قبل الزفاف- في غير بيت أهلها، وبوجود محارم في البيت، وغير ذلك مما سنتحدث عنه في موضوع آداب الخطوبة والزواج اذا وصلنا له بعون الله..
وبالنسبة للأطفال، يكون الصواب في إفهام الطفلة ان عريس اختها ليس بمحرم عليها، وان تُعلَّم ان تناديه بلقب احترام يمنع رفع التكليف، مثل: "آبيه" (وهي كلمة تركية تعني اخي الاكبر) او "حضرتك"، او ما يماثل ذلك في كل بيئة ومجتمع، وان تتعلم ان تكون محتشمة في لباسها وجلستها امامه، والا تجلس معه ابدا الا بوجود كل الاسرة، او بعض افرادها، ولا يسمح لها اطلاقا بالتواجد بمفردها في حضرة العروسين، والا تلقاه بثياب النوم (البيجاما)، او بملابس متكشفة، ويستحسن ان تعتاد اذا تجاوزت السابعة على الاكتفاء بالمصافحة عند اللقاء، وان كان ثمة قبلة فعلى أعلى الرأس لا على الخدين، والا تجلس ملتصقة به او في حضنه او او ... وتفهم تماما انه ليس أخا لها، وانه مثل ابن عمها او ابن خالها او غير ذلك من اقارب.
وقد بذلت مجهودا في ابنتي الصغيرة، عندما لاحظت اندفاعها الشديد نحو عريس اختها، فكانت كلما جاء تهرول لاستقباله ، وتختار الثياب التي ستظهر بها امامه بعناية فائقة ، ولا تجلس الا بجانبه، ولا تتيح له مجالا ليتحدث مع احد غيرها، وتحاول ان تتسلل للصالون حيث يجالس أختها، خفية عنا لتفاجئهم .. فنبهتها الى الحدود الواجبة، حتى انضبطت العلاقة وفق ما أحب بفضل الله، فما بلغت السابعة الا وهي تفرق تماما بين زوج أختها، وبين إخوتها. هذا ومريم كانت صغيرة جدا، فكيف إن كانت الأخت أو الأخ أكبر من ذلك، قد قارب العاشرة او تجاوزها؟؟ !!
6- وما ذكرته أعلاه عن ضبط تعامل الطفلة بعريس أختها، او زوجها، ينطبق أيضا على ضبط علاقة الطفل الذكر بعروس أخيه، أو زوجته..
أسأل الله تعالى ان يبارك لنا في ذرياتنا، وينبتهم نباتا حسنا، ويقر أعيننا بهم في الدنيا والآخرة.
والخاطرة القادمة –بعون الله تعالى- ستكون عن العلاقة مع أبناء العمومة والخؤولة، ممن يعاملون كأنهم محارم، وليسوا كذلك
بقلم أبم عبد الهادي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق