يتحدث كتاب
ثلاثون مليون كلمة على أهمية اللغة والتحدث مع الطفل (خلال الثلاث سنوات الأولى من
حياته) في ذكائه وتفعيل قدراته المختلفة، ويهدف الكتاب لتوضيح الطريقة الأمثل
للحوار مع الأطفال الصغار ملخصة في ثلاث نقط أساسية:
أولًا: Tune In (اندمج مع الطفل)
ثانيًا: Talk More (تحدث أكثر)
ثالثًا: Take
Turns
(الحديث بالدور)
أولًا: Tune In (اندمج مع الطفل)
تعني أن نبحث
عن الشيء أو الأمر الذي يركز عليه الرضيع أو الطفل فنتحدث له عن ذلك، حتى لو كان
الطفل صغيرًا جدًا على فهم ما نقوله، وحتى لو كان تركيزه يقفز من مكان لآخر.
مثلا: تخيل أن
تجلس مع صغيرك وبيدك كتاب رائع للأطفال وتحاول جذب انتباهه لكي يجلس وتقرأ له
القصة لكن الطفل لا يتفاعل معك، فهو مشغول بتكديس المكعبات فوق بعضها، فتنادي عليه
تعال هنا، اجلس بجانبي سأحكي لك قصة رائعة تحبها... إلخ.
في هذه المثال
اندماجك مع الطفل يعني أن تنضم له لا أن ينضم هو لك، أن تجلس معه وهو يلعب، أن
تلاحظ ما يفعله وما هو مركز عليه، فتصبح جزءا منه فتكلمه عنه وتحدثه وتدخل معه في
مناقشة.
حين تنضم للشيء
الذي يركز عليه طفلك فأنت تكون معه في قمة تركيزه وتفاعله، فتكون الفائدة العائدة
في أقصاها، أفضل من أن تحاول تشتيت انتباهه لأمر آخر فتفقد ذلك التركيز الذي
نريده. حتى لو كان طفلك يقفز تركيزه من أمر لآخر، اقفز معه وتفاعل معه!
الاندماج مع
الطفل يعني أن تكون بنفس مستواه من الناحية الجسدية، يعني أن تنزل إلى الأرض فتجلس
معه، أن تضعه في حجرك وأنت تقرأ له، أن تجلسوا معًا في طاولة الطعام، أن تحمله
لأعلى ليرى العالم من منظور الكبار.
الطفل الذي
نندمج معه سيسمع لنا أكثر، سيكون معنا أكثر، سيتعلم منا أكثر.
الاندماج يعني
أن تحدثه بحديث الأطفال... حديث الأطفال هو ذلك الكلام الذي نوجهه لصغارنا ونحن
نتحدث معهم بنبرة مختلفة بصوت عالٍ سعيد فيه إيجابية وكلمات مبسطة مرحة (سليمة
بدون تحريف لأصواتها)، حديث الأطفال هو حين نكرر لهم أكثر من مرّة ونحن نبسط لهم
ونتحدث معهم بفرح، حديث الأطفال هو تلك الأغاني الطفولية التي نغنيها لهم.
حديث الأطفال يجذبهم أكثر من أن نحدثهم وكأننا نحدث شخصا كبيرا.
الاندماج يعني
أيضًا أن نكون موجودين حين يحتاجنا الطفل أو الرضيع، هناك فكرة سيئة منتشرة وهي أن
تترك الرضيع يبكي لوحده لكي لا "تدلعه"، ويستخدمها البعض لتعليم الطفل
النوم لوحده مثلا فيتركونه وهو يبكي ويبكي... لكن الحقيقة أن هذه الطريقة سيئة جدا
ولها تأثير سلبي وتسبب ضغوط سامة على الطفل، حيث ينمو وهو يواجه صعوبات في التحكم
بمشاعره وتصرفاته وأيضا في أن يثق بالآخرين. حين تتجاوب مع طفلك فتحمله حين يبكي
وتخفف عنه وتطبطب عليه تعلمه أنه بأمان وأنك هنا دائمًا لتحميه مما يجعله أكثر
ثباتا من الناحية العاطفية وأقل قلقا في حياته.
ثانيًا: Talk More
(تحدث أكثر)
التحدث أكثر مع
الطفل ليس فقط في الكمية ولكن في نوعية الكلمات، أن تعطيه مفردات متنوعة غنية...
ماذا تفعل؟
احكي له ما
تقوم بفعله، حين تغير له الحفاظة، حين تحممه، حين تغسل المواعين، حين تنظف
البيت... كل فعل تقوم به احكي له ما تفعله، وصف له ما تقوم به.
"دع بابا
ينزع لك الحفاظة... أووه كم هي مبللة وممتلئة... هيا لنقم بشمها... أف ما هذه
الرائحة القوية!"
"الآن
لنضع حفاظة جديدة، انظر لهذه الحفاظة الجديدة، كم هي بيضاء ونظيفة وجميلة، إنها
بيضاء من الداخل وزرقاء من الخارج، وهي ليست مبللة، تحسسها، إنها جافة وناعمة،
أليس ذلك أفضل بكثير؟ الآن لنلبس سروالك الزهري الجميل... مبلل أم جاف بابا
يحبك!"
"حان وقت
غسل أسنانك، ماذا نفعل أولاً؟ أحظر فرشاة أسنانك، فرشاتك بنفسجية وفرشاة بابا
زرقاء، الآن لنعص القليل من معجون الأسنان، عصرة صغيرة. ممتاز! الآن حان وقت فرش
الأسنان... افرش افرش افرش... أعلى وأسفل... إلى الخلف وإلى الأمام. هيا لنقم بفرش
لسانك... أوه ألا يشعرك بالدغدغة؟
ماذا يفعل هو؟
جزء من
الاندماج مع الطفل أن تتحدث له وتصف له ما يفعله هو:
"محفظة
ماما عندك، إنها ثقيلة، هيا لنر ما بداخلها، أوه لقد وجدت مفاتيح ماما! لا لا
تضعها في فمك رجاء، لا نمضغ المفاتيح فهي ليست طعامًا! هل تحاول فتح شاحنتك
بالمفاتيح؟ المفاتيح تفتح الباب، هيا نذهب نفتح الباب بالمفاتيح"
لا للضمائر
تفادى استخدام
الضمائر المبهمة فهي لا تعني شيئًا للطفل، بدل أن تقول: "أعطني هذا"،
قل: "أعطني المفاتيح". بدل أن تقول: "أعجبتني"، قل:
"أعجبتني رسمتك كثيرًا"... حين نستدبل الضمائر بالكلمات تصبح اللغة أكثر
غنى وتفصيلًا للطفل.
تحدث عن ما لا
تراه
حين يبدأ الطفل
الحديث فإن كلامه يكون بسيطًا جدا ومركزا في أمور يراها ولها علاقة بعالمه الذي من
حوله، حين يكبر قليلا يبدأ يتحدث عن أمور لا يراها في الوقت الحالي وهو دليل على
نمو لغوي مهم. لكي تشجع طفلك على ذلك استخدم مصطلحات يعرفها للحديث عن أمور لا
يراها الآن، مثلا تحدث عن تلك اللعبة التي لعبتها معه بالبارحة، تحدث عن رحلتكما
للحديقة ذاك اليوم، تحدث عن شخص تعرفانه لكنه غير موجود بجانبكما الآن. هذا ينمي
مهارة الطفل في فهم ما يُقال له دون أن يكون أمرًا فعليًا حاضرا أمامه يراه.
إضافات
حين يبدأ الطفل
بالكلام يكون كلامه بسيطا وناقصا وغير مكتمل، ومهمتك هي أن تغنيه بإضافاتك فتكمل
الفراغ عنه، حين يقول الطفل: "فوق، فوق" قل: تريد من بابا أن
يحملك؟". هذا سيشجعه على تطوير كلامه ليتطور مع الوقت إلى جملة: "بابا
احملني لو سمحت، أنا متعب". حين قول: "كلب حزين"، قل له:
"كلبك حزين"، حين قول: "نروح نني" قل له: تريد أن تذهب إلى
النوم. لقد تأخر الوقت وأنت متعب!"
إضافاتك تعلم
الطفل طريقة جديدة وأفضل للتعبير عن نفسه والتي تزيد من جمله البسيطة تعقيدا.
ملاحظة:
الإضافات تجعلك تمتنع عن تصحيح طفلك وعن التعليق على كلامه حين يتحدث بطريقة
طفولية مضحكة أو خاطئة، فهي تجعلك تعيد كلامه بالطريقة الصحيحة الأفضل دون تعليق
أو وقوف على الطريقة الخاطئة.
ثالثًا: Take Turns
(الحديث بالدور)
تعني أن تتبادل
أنت وطفلك الكلام في محادثة، هذا يعني أن تنتظر من الطفل أن يجيبك، حتى حين يكون
طفلك رضيعا فإنه يرسل لك إشارات خفية (بكاء للنوم، حك العينين للنوم... إلخ)
ويمكنك أن ترد عليه بناء على هذه الإشارات، وكأنك تتحدث معه، وهذا التواصل مع
الصغير مهم جدا لتنميته... وهكذا إلى أن يكبر ويصبح الحديث بالدور أكثر تنوعا
وتطورا لتطور قدرات الطفل الكلامية.
الحديث بالدور
يعني أن تتحدث مع طفلك وأن تنتظر رده، لا أن تجيب بدلًا عنه، أي الصبر عليه
وإعطاءه الفرصة ليجد الكلمة المناسبة والرد المناسب.
استخدام (ماذا
أو ما) لا يفيد كثيرا في تبادل الأدوار لأنها تنهي الكلام ولا تعطيه استمرارية،
كأن تسأل: ماذا تقول البقرة؟ ما لون الكرة؟ بهذه الأسئلة نحن نطلب من الطفل أن
يستخدم مصطلحات هو يعرفها مسبقا، ومثلها تلك الأسئلة التي نجيب عليها بنعم أم لا.
الأسئلة
المفتوحة هي الأفضل لأنها تفتح المحادثة، أسئلة مثل (كيف) و(لماذا) تسمح للطفل أن
يجيب بأجوبة فيها تنوع في الكلمات والأفكار لأنه لا يمكن أن نجيب عليها فقط (بنعم)
أو حتى بهزة رأس وكفى بل نحتاج لأن نفكر ولأن نستخدم قدراتنا المعرفية.
التحكم بالنفس
من المهارات
المهمة للأطفال هي مهارة التحكم بالنفس وهنا بعض المقترحات لتنميتها:
-إعطاء
الاختيارات: التحدث مع الطفل وإعطاءه اختيارات متنوعة يشجعه على التحكم بنفسه مثلا:
ماذا تريدين أن تلبسي؟ الفستان البنفسجي أم الفستان الأحمر؟ مثل هذه الأسئلة تشجع
الطفل على التفكير بنفسه والاعتماد عليها.
-القدوة: يتعمل
الأطفال التحكم بأنفسهم من الكبار، حين يرى الطفل والده يتصرف بهدوء حين يفقد
مفتاحه (مثلا) ويتحدث عن مشاعره فيعبر عن انزعاجه بكلام مناسب وأسلوب مناسب (بعيدا
عن الغضب والانفعالية) فإنه يتعلم التصرف المناسب. وهذا أيضا ينطبق على أية ردة
فعل حياز ما يقوم به الطفل:
تخيل أن الطفل
أوقع صحن الفواكه بالأرض وهو يمشي يمنة ويسرة يدعسها بأقدامه فيراه أب الطفل فيتصرف بهدوء، "لو سمحت لا تطأ الفواكه فالسجادة ستتسخ وكذلك جواربك، هيا نقم
بحملها من الأرض ورميها، لا نستطيع أكلها فطعمها لن يكون جيدا وهي متسخة الآن، هيا
نحظر منشفة مبللة ونمسح الأرض، واحدة لي وواحدة لك، كي نتعاون! شاطر، أنت تقوم
بعمل رائع في التنظيف، هل تريد أن تنزع جواربك لكي لا تقوم بتوسيخ الأرض بها؟ رائع.
الآن لنذهب ونغسل أيدينا وسأحضر لك وجبة أخرى.
-الأوامر لا
تفيد: الأوامر والنواهي المباشرة لا تفيد في النمو العقلي للطفل: لا تفعل، اجلس،
اسكت، البس سروالك، أعطني الكتاب... هذه الأوامر المباشرة قد ينقاد لها الطفل لكنه
انقياد مؤقت لا يعلمه أية مهارات حياتية تبقى معه. من الأفضل التحدث مع الطفل بإعطائه
تعليلا للأمور: فبدل "البس حذاءك"، "حان وقت الذهاب لبيت الجدة، من
الأفضل أن تلبس حذاءك وإلا فإن أقدامك ستتبلل من المطر، وستشعر بالبرد، رجاء اذهب
وأحظر حذاءك"
إعطاء الطفل تعليلا
للتعليمات يعلمه بأن هناك سببا منطقيا لفعل الأشياء فيتعمل التفكير المنطقي ويتعلم
التفكير
بدل: "اترك
الجوال حالًا!" قل: "رجاء أعد الجوال إلى مكانه فوق الطاولة، إن أوقعته
فإنه سينكسر ولن نستطيع الحديث مع الخالة ليلى حين تتصل بنا"
طبعا بعض
الحالات الطارئة لا ينطبق عليها هذا المثال، لو كان طفلك يجري بسرعة نحو الخطر كأن
يجري ناحية الطريق فهنا لا وقت للشرح بل ستصرخ "توقف! هناك سيارة
قادمة!"
المصدر: كتاب ثلاثون مليون كلمة (Dana Suskind) ترجمت ما انتقيته واختصرته وتصرفت فيه بأسلوبي