الثلاثاء، 19 فبراير 2013

كيف نربي الأطفال على الحجاب (4)



كيف نربي الأطفال على الحجاب (4)
المحارم: علاقة الطفل بأبناء العمومة والخؤولة


بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

تحدثت في الحلقات السابقة عن ضرورة تعليم الأطفال منذ سن التمييز التفريق بين المحارم وغيرهم، وهنا تتبدى مشكلة شائعة جدا، وهي مشكلة الاختلاط الشديد القائم في معظم العائلات بين أبناء العمومة أو الخؤولة، في سن الطفولة، وهذا أمر طبيعي وصحي، لأن اختلاط الطفل بأطفال من عائلته الكبيرة نفسها، يشبع رغبته في اللعب والتعامل مع من يماثلونه أو يقاربون سنًّا، ويوفر الأمن والطمأنينة التي قد تفتقد عند الاختلاط بأبناء الغرباء، من أصدقاء أو زملاء أو غيرهم،  ذوي الخلفيات التربوية المجهولة، وفي أجواء غير معروفة للأهل. لكن هذا الاختلاط يستلزم الحذر والانتباه، ودوام المراقبة من الأهل، إضافة إلى توعية الأطفال المبكرة بحدود الاختلاط وضوابطه، والتفريق بين المحارم من إخوة وأخوات، وغير المحارم من الأقارب الأقربين.
ولا تكمن الخطورة في اختلاط الأتراب (المتماثلين في السن) فحسب، بل تزداد عند اختلاط الأطفال بالبالغين، من مراهقين أو شباب، وقد سمعنا بكل أسف عن بعض الحالات المؤلمة من الزنى والاغتصاب، يمارسها ابن العم أو الخال الأكبر، نحو قريبته الطفلة، وهي تحسب أنه يلاعبها أو يصارعها، وتستحي أن تحكي لوالديها أو إخوتها الكبار ما حصل لها، أو تُهدد فلا تتكلم، ثم تكتشف المأساة بعد أن تكبر، وأحيانا لا يكون الأمر متعمداً من الفتى بقصد الأذى، ولكن بدافع من حب المغامرة والتجربة والتطبيق لما يُشاهَد على الشاشات، فتقع الواقعة، وكل هذا نتيجة الغفلة عن التربية، والغفلة عن المراقبة أيضاً. ورغم أن هذه الحالات قد تبدو شديدة التطرف، الا أنها تحدث، ولا أستطيع أن أقدر مدى شيوعها؛ لعدم وجود إحصاء لنسبتها، لكنني سمعت عن كثير منها ممن عانى منها مباشرة.

لهذا على المربين عموما، والأم خصوصا، أن تكون عينها دوما على أبنائها وبناتها، في لعبهم وسكونهم ونومهم وأكلهم وشربهم، وجميع أحوالهم، وهذا يشمل حتى علاقات الإخوة بالأخوات في الطفولة وأول المراهقة.

 
أذكر هنا كلمة وعظتني بها والدتي حفظها الله، إذ قالت لي: من رزقه الله بأولاد، فعليه أن ينام وعيونه مفتوحة، وعليه أن يكون له عيون في وجهه، وعيون من خلف رأسه. وهذا صحيح، لأنها مسؤولية ضخمة، وسنحاسب عليها يوم القيامة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « أَلاَ كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ... وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا، وَوَلَدِهِ، وَهِىَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ،... أَلاَ فَكُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ». (متفق عليه واللفظ لمسلم).

ومن التدابير العملية التي تساعد على تحقيق هذه الرقابة ما يلي:

•   
أن يمنع الأطفال منعاً باتاً من قفل الباب عليهم بالقفل أو المتراس وهم يلعبون، ويُكتفى بغلق الباب دون إقفال، ولا بد من اقتحام غرفة لعبهم بين حين وآخر بأي حجة، كأن يُسألوا إن كانوا جوعى، أو يُطلب منهم أن يخفضوا أصواتهم، أو تتظاهر الأم بأنها تحتاج لتناول شيء من الغرفة، أو تنظيف شيء ما، أو أنها ترغب في مشاركتهم اللعب لأنها تشعر بالضجر، (طبعا سيتم الاحتجاج على هذا وربما طردها، ولكن تكون قد استكشفت الساحة بناظريها أثناء المفاوضات).. وهكذا، بحيث لا يتركون منفردين  فترات طويلة. ولابد من مراقبة طريقة لبسهم وتعاملهم ووضعياتهم، وتوجيههم باستمرار. (قد تلاحظ الأم بالاقتحام المفاجئ أن أحد الأطفال خلع ثيابه، أو أن هناك حركات تقليد للأفلام، أو عنف جسدي، أو اضطهاد نفسي لأحد الأطفال.. وغير ذلك مما يوجب التدخل المباشر والتوجيه)

•   
التفريق في المضاجع عند النوم أو الاستلقاء- بين الذكور والإناث مطلقا، وبين أبناء الجنس الواحد إذا بلغوا العاشرة، لقوله صلى الله عليه وسلم: « مُرُوا أَوْلاَدَكُمْ بِالصَّلاَةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرِ سِنِينَ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِى الْمَضَاجِعِ ». والحديث صححه الألباني.

•   
أن يمنع الأطفال منعا قاطعا من غلق باب الغرفة بالمفتاح عند النوم، ولابد من تفقد الأطفال حال نومهم، كأن تتظاهر الأم بتعديل الغطاء للتأكد من وضعية اليدين، وأن الطفل لا يعبث بنفسه أو عورته، وأن كل طفل منفصل في فراشه الخاص.. وهكذا.

•   
ألا تأوي الأم الى فراشها حتى تتأكد أن الاطفال قد خلدوا للنوم، لأن الأطفال قد يتحينون فرصة غفلة الأهل للقيام بما يحسبونه مشاغبات أو تحديات ، وتكون له عواقب وخيمة، سواء شرعية، أو أمنية، أو صحية.

•   
وبالنسبة للطبقات الغنية التي تتمتع بوجود خادمة أو مربية في البيت، فينبغي أن تحرص الأم كل الحرص على ألا تنام الخادمة في غرفة الطفل، ولا ينام في غرفتها، بله في حضنها!!  وألا تتولى الخادمة عملية تنويم الطفل، إلا في حالات الاضطرار، كمرض الأم أو غيابها أو تأخرها عن البيت لعذر قاهر ونادر
وأذكر هنا قصة شخصية حدثت لي، حين اكتشفت أن أحد أطفالي يحفظ أغنية اندونيسية، حفظها من ترداد الخادمة لها قبل نومه، كانت الأغنية تقول: "مولانا الكافي، ربنا الكافي، حسبنا الكافي، كفانا الكافي ...".  ورغم أنني سررت بالأغنية ومعانيها الرائعة، إلا أنها نبهتني إلى خطورة تأثير الخادمات على الأطفال، وأن الله تعالى أكرمني بأن كانت خادمتنا مسلمة متدينة، فكيف بمن يستخدم خادمة كافرة؟ ترى ماذا تلقن الأطفال؟ (خادمتنا معنا من عام 93، أي من عشرين عاماً تماماً، وهي محجبة، ملتزمة بصيام الإثنين والخميس، وبصلاة التهجد يومياً، يعني هي أفضل مني بكثير، والحمد لله أن أكرمني الله بها)
وأذكر أيضا حادثة عاينتها قبل زمن طويل، حين قالت لي طفلة قريبة لنا وهي تشير إلى صورة يزعمون أنها للمسيح عليه السلام، معلقة في غرفة خادمة فلبينية ببيتهم، إن هذا هو ابن الله!! وحين قلت لها (وكنت في سن المراهقة) هذا خطأ، الله تعالى ليس له ولد، ولم يلد ولم يولد، قالت لي: بلى، اسأليها، والتفتت للخادمة تسألها،  فأكدتْ لها أن الله تعالى له ولد وهذا هو ابنه!! تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا..
وأهل هذه الطفلة، كسائر الأهالي الذين قابلتهم من هذه العينات، يؤكدون لك أن الاستعانة بالخادمات المسيحيات أفضل ألف مرة من المسلمات، لأنهن أفضل خُلقاً، وأكثر نظافة، وأرقى مستوى، وأنهن لا يتدخلن في ديننا، ولا نتدخل في دينهن!!..
وأنا لا أستطيع أن أنكر أن من المسلمات من هن بلا خلاق ولا دين، ولكنهن على الأقل لن يحرفن عقيدة الأطفال، ويبثثن الشبهات، وتبقى نسبة فسادهن أقل بكثير مما هي عليه عند الكافرات.
وعلى الحالين، فينبغي على الأم أن تقصر استعانتها بالخادمة على الشؤون المنزلية، وتترك مسؤوليات الأطفال لنفسها، وتعفي منها الخادمة تماماً، وإن اضطرت إلى طلب العون في مجالسة الأطفال، فليكن من أخت أو حماة أو أم أو قريبة، ولا تعتمد على الخادمة في هذا الأمر إلا في حالات الضرورة القصوى، كالمرض أو ما شابه.

•   
ويستحسن ألا يسمح للأولاد بالنوم بمفردهم خارج المنزل، ولو عند الأقارب الثقات، وذلك لمنع التداخل في التربية والتوجيه، وتأثير العقليات المختلفة للأعمام والأخوال أو زوجاتهم، أو العمات أو الخالات الخ.. فيضيع الطفل بين الطرائق والأساليب المختلفة، وهذه التأثيرات تبقى محدودة في الزيارات القصيرة، لكنها تتضاعف عند المبيت ليلاً، وخاصة إذا تكرر المبيت أو طالت المدة، وقد لا تكون الرقابة الواعية من الوالدين في البيوت الأخرى بنفس الدرجة المطلوبة، فينقض غزلنا، ويضيع تعبنا.. وقد كنت أعاني كلما عاد أولادي من المبيت في بيت جدهم أو عمهم، من إعادة تأسيس ما بنيته، وزرع ما غرسته، وكأنني أراوح في مكاني ولا أتقدم، حتى عرفت وسلمت بأن المبيت خارج المنزل إلا برفقتي (في حال السفر مثلا أو غيره) ممنووووع.   

هذا بالنسبة للاختلاط في مرحلة الطفولة..
وفي الحلقة القادمة إن شاء الله، نتكلم عن الاختلاط في سن التمييز وقبيل البلوغ

بقلم أم عبد الهادي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق