الأربعاء، 20 فبراير 2013

كيف نربي الأطفال على الحجاب (5)



كيف نربي الأطفال على الحجاب (5)
المحارم: علاقة الطفل المميز بأبناء العمومة والخؤولة


(بقلم أم عبد الهادي)
 
إذا وصل الأطفال إلى سن العاشرة، واقتربوا من سن البلوغ، فلا بد ان يهيئوا نفسيا وعلميا وعمليا، لاقتراب سن الحجاب والانفصال في اللعب والخروج.. فحذار من أن يقال للطفل أو الطفلة عن ابن العمة او ابنة العم: "هذه مثل أختك، وهذا مثل أخيك"، وهو سلوك يسلكه كثير من الأهل، ظنًّا منهم بأنهم بهذا يبعدون أي شبهة عن اختلاط أبنائهم، ويحتاطون لمنع حدوث أي ميول بين الجنسين، ويقطعون السبيل على الإعجاب الفطري، ويأمنون عواقب الاختلاط، بأن أوهموا المختلطين أنهم إخوة وأخوات.

ولكن الوهم لا يغني من الحق شيئاً.. ولن تطول خديعة الطفل طويلاً، فسرعان ما يدرك ان ابنة عمه مختلفة عن أخواته، وأنها ليست من محارمه، وقد تتحرك عواطفه نحوها سلبا أو ايجاباً، وإن لم تسترعِ ابنة عمه شيئاً من اهتمامه، وعاملها ببرود وحيادية فعلا كأنها أخته، وبقي الاختلاط بينهم منطلقاً من كل الضوابط، فهذا –على الأغلب- سيؤدي الى مشاكل مع زوج كل من الطرفين في المستقبل، لأن زوجة المستقبل لن تقبل هذا التباسط في المعاملة بين زوجها وابنة عمه أو خاله، ولن تقتنع أبدا بفكرة أنها مثل أخته، لأن الفطرة تأبى هذا، والزوج لن يقبل مثل ذلك لزوجته، وقد يمنعه كبرياؤه من التصريح بهذه الغيرة (مع أنها محمودة) فينفس عنها بالغضب واختلاق المشاكل، او بعزل الزوجة عن اهلها .. أو يكون العكس، فيكون هذا الاختلاط المفتوح ذريعة لبقية الأقارب والأصدقاء وأقارب الزوج لممارسة مثله، بما أنهم جميعا متساوون في عدم المحرمية. وإن سلم الأمر من كل هذه العواقب (ولن يسلم) فإنه لن يبرئ هؤلاء أمام الله عز وجل فيما سلكوه من مخالفات شرعية، مهما كانت صغيرة، فلا صغيرة مع إصرار.

لذا لا بد من الصدق في تربية الأطفال، واعتماد الحقائق لا الأوهام، فمنذ سن التمييز وحتى البلوغ، يتعلم الطفل أن هذه ليست من محارمك، فنعلمه  أن يتجنب لمسها، (سواء مصافحة، أو تدافعاً في الجري واللعب، او تعاركاً ومصارعة، أو غير ذلك)، وألا يجلس بجانبها على مقعد واحد، ويتعلم آداب الاستئذان، وعدم الخلوة، وأن يسعل أو يتنحنح قبل الدخول إلى غرفة يتوقع أن يكون فيها بنات عمه أو بنات خاله، أو يرفع صوته قائلا: (يا الله).. أو (السلام عليكم ) ليشعرهن بقدومه.. وأذكر هنا أن ابني الأوسط لما بلغ، كان يقلد ما رآه في مسلسل "باب الحارة" السوري -من قبيل الفكاهة ولكن المقصودة- فكان يقول مثل الرجال في المسلسل: (يا الله يا الله... اتغطوا ياحريم) .. وكان يقصد تنبيه نساء العائلة من كبار وصغار إلى وجوب احتجابهن منه لأنه كبر، وذلك بعد أن رأى من بعضهن تساهلا في هذا على أنه مازال صغيرا، أو هن أخواته، أو هن امهاته... :).. وبهذه الطريقة الفكاهية، استطاع أن يحملهن على تقبل فكرة أنه كبر ويجب التحجب منه.

هذا والاختلاط بأبناء العمومة بعد البلوغ يجب ألا يختلف عن الاختلاط بأي قريب آخر أو زميل، تحكمه ضوابط الاختلاط كلها، ولا ينبغي أبدا التساهل في هذا، لأن الحكم الشرعي واحد بالنسبة  لكل من لم يكن محرماً، سواء كان قريبا أو غريبا أو جارا أو زميلا..

ويحضرني هنا نقاش طريف دار بيني وبين إحدى القريبات، وهي تحدثنا أن ابنتها توظفت في منطقة تبعد عن المدينة نحو ساعة بالسيارة، وأنها كانت مطمئنة لأن الفتاة تسافر هذه المسافة مع ابن عمها يومياً وليس مع أحد غريب!! وكان ثمة من تناقشها بأن ابن عمها ليس محرما لها، ولا يصح أن تسافر معه هكذا وبشكل يومي، فأكدت لها المرأة أن ابن عمها مثل أخيها تماماً، فضحكتُ وقلتُ لها: أكثر من كان يجادلني في أن "ابن عمي مثل أخي" هي ابنتي الوسطى، وهاهي ستزف إلى ابن عمها قريبا جداً!! لا يوجد ابن عم مثل الأخ أبداً أبداً..
فأخذت تجادلني وتؤكد لي أن ابنتها لا تفكر فيهم إلا كإخوة لها، والدليل أن ثلاثة منهم خطبوها وهي رفضت، لأنها لا تستطيع أن تفكر فيهم إلا كإخوة!!.. فقلت لها: دليلك هو أكبر دليل عليكِ، إن لم تكن هي قد فكرت فيهم، فهم قد فكروا فيها، وتخيلي لو أنها قبلت بأحدهم، كيف كانت مشاعر الآخرين وتعاملاتهم مع ابن عمهم الفائز ستكون؟ وكيف تعامل ابن العم الفائز مع منافسيه، وهو يعلم أن عيونهم كانت على زوجه؟ فاستعاذت بالله من هذه الأفكار، واستنكرت بشدة واستهجنت قولي، وأكدت أن ابنتها محال أن تفكر في أي منهم، وأن أبناء العم إذا تربوا معا وفي بيت واحد، فلن ينشؤوا إلا إخوة، وأظهرت اشمئزازها من فكرة حدوث أي إعجاب أو ميل بينهم، وكأننا نتحدث عن نكاح المحارم لا قدر الله.. فقلت لها: عزيزتي لماذا تستنكرين مشاعر ابن العم نحو ابنة عمه وكأنها شيء مقرف أو مقزز أو مخالف للطبيعة؟ إنها فطرة فطر الله الناس عليها، أن الذكر يميل للأنثى، والأنثى تميل للذكر، وحيثما حصل اختلاط بينهم وكان ثمة تقارب في الطباع ونوع من الارتياح، فإن الانجذاب الطبيعي سيأخذ مجراه، وكم وكم في الواقع والتاريخ والعائلات من حولنا من تزوجت من ابن عمها، أو تزوج من ابنة خاله!! لماذا صرنا ننكر المعروف، وهو هذا الزواج الطيب، ونعرف المنكر، فنقر هذا الاختلاط العجيب غير المنضبط، والذي قد يضر القلوب، ويعلقها بمن هو ليس من نصيبها، فتعاني!!..

إن شرع الله ليس كتقاليد البشر الظالمة، إنه لا يتعامى عن الفطرة أو ينكرها، أو يتعامل كأنها غير موجودة، فيعاني البشر في ظله من الكبت والقمع، أو التمثيل والنفاق. إنه يعرف فطرة الناس، وغرائزهم، واحتياجاتهم، فيشرع لها ما يهذبها ويضبطها، ويوجهها للإشباع بالأوجه المباحة التي تنفع ولا تضر

على أية حال، فالغاية من كلامي ليست الانتصار لزواج أبناء العمومة، ولا ترجيحا له أو عليه، بل الغاية هي تربية أنفسنا وأولادنا على التقيد بأحكام الشريعة مهما كانت، دون ان نجادل بالهوى، أو نتحكم بالآراء المختلفة المتضاربة، التي تختلف من بيئة لأخرى، ومن ثقافة لغيرها. بل نحتكم جميعا الى شرع الله عز وجل، برضا وتسليم. قال تعالى: { فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاًّ مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً } (النساء: 65)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق